الكتمر Katmer

كتبت بداية هذه التدوينة في شهر يناير من العام الحالي وأكملتها اليوم.. أجلس الآن في مقعد طائرة صغيرة بجوار مخرج الطوارئ وهذا من حظي كي تكون هناك مسافة كافية أمامي أستطيع من خلالها أن أتربع بقدمي على المقعد حتى أدفئها تحت جسدي كي لا تتجمد من برودة الطائرة.. تركت للتو أختي وأخي في كندا وأمامي كتاب أهداني إياه أخي لا أريد أن أتركه ولكني وضعته جانباً كي أسجل كلمات تسابقت إلى ذهني، الكتاب يحكي رحلة طبيب اكتشف أنه مصاب بالسرطان وهو في الخامسة والثلاثين ثم توفي بعدها بعامين، استوقفني هذا المقطع في الكتاب والذي يصف فيه أول مرة حضر فيها درساً للتشريح في المعمل، يحكي الآن وصف أستاذه الطبيب وهو ينظر إلى الجثة أول مرة: “هذه الندبة ناتجة عن عملية فتاق، وهذه الندبة في الرقبة ناتجة عن عملية حدثت في الشريان السباتي، ومن ثم أشار إلى منطقة البطن موضحاً وجود آثار حكة ناتجة عن اليرقان بسبب ارتفاع البيليروبين في الدم، من المحتمل أن هذا كله بسبب سرطان البنكرياس والذي لم تتم إزالته لأنه وعلى الأغلب فقد تم اكتشافه في مرحلة متقدمة جداً والذي أدى لموته سريعاً”.

عشت الكثير من الأحزان في الأعوام القليلة الماضية حتى أنني تمنيت كثيراً أن ينتهي أجلي وتنتهي حياتي هذه وهذا ليس لأنني لا أعني ماأقول ولكن لأن الآلام التي كنت أشعر بها كانت شديدة جداً فكنت أتمنى الموت حتى تتلاشى تلك الآلام، كانت هذه فترة ماقبل إنفصالي ومابعده، حينما أفكر في تلك الأيام لا أعلم حقيقة كيف تمكنت من تجاوزها فأنا أذكر جيداً أنه وقبل أن أبدأ العمل كنت أصحو من النوم فقط لأذهب للنوم مرة أخرى، خسرت ربع وزني في غضون ثلاثة أشهر، حينما بدأت العمل بالتدريس أذكر أني وخصوصاً بعد الانفصال كنت أذهب لعملي وآتي لأنام طول اليوم لا أستيقظ إلا على جرس المنبه يوقظني للعمل في اليوم التالي أو على جرس آلام معدتي تجبرني إلى الذهاب إلى المستشفى لأمضي ليلة أخرى هناك، مكثت على هذا الحال أسابيع، أذكر تماماً اليوم الذي قررت فيه أن أنهض، اليوم الذي قررت فيه أن أحب الحياة مرة أخرى، أتت إلي ابنتي دعاء وكنت أتقلب في فراشي من آلام معدتي، نظرت إلي وهي تبكي وقالت “ماما أرجوك ألا تذهبي من الدنيا وتتركيني وحيدة” يومها تذكرت أن في الحياة ماهو جميل، يومها تذكرت مايجعلني أتمسك بالحياة وبحب مرة أخرى، كنت طوال عمري أعشق الحياة لدرجة أني إن فتحت عيني حين استيقظ من نومي فإن ابتسامة تلقائية ترتسم على وجهي فقط لأني مقبلة على يوم جديد، تذكرت أن الأيام التي كرهتها في الفترة الماضية لم أكرهها إلا لأني كنت أشعر وكأنها ضاعت مني، بيد أنني في حقيقة الامر كنت سعيدة حتى خلال تلك الأيام “الضائعة” فأنا وإن اعطيت من حولي فإني لم أندم يوماً لأني لطالما أعطيت بحب، والعطاء بحب نعمة عظيمة لا يعرفها إلا من جربها..

أعود للطائرة: حينما أغلقت الكتاب فكرت ملياً في نفسي وفي من حولي فكم منا من يعاني من الندبات النفسية التي لانراها نحن، فنحن نرى بعضنا غالباً من وراء أقنعة وهذا ليس بالشيء السيء على الإطلاق لكنه على الأقل يخفي لنا الآلام التي هي في القلوب، فأنا على يقين أن كل من حولي يعاني بأشكال مختلفة فهناك من يعتصر قلبه كل يوم لموت عزيز وهناك من يفتك المرض قريبه وهناك وهناك. 

أفكر اليوم كثيراً في حياتي الماضي منها والآت، فأنا اليوم أشعر أنني ولدت من جديد أو أن نسخة جديدة مني قد أصدرت، اليوم أصبحت مختلفة، اليوم أشعر أنني تائهة أكثر من أي وقت مضى ولكني أشعر أنني تائهة بشكل ناضج إن صح التعبير. اليوم تغيرت هويتي وتغير سكني وتغير من هم حولي.. اليوم تغيرت حالتي الاجتماعية وإن كنت أشعر دوماً أن في هذه الكلمة من وصمة العار مافيها فأنا أرددها الآن بشكل سعيد راض وقد يكون فخوراً أيضاً، اليوم أريد أن اكتب تدوينتي هذه لكل من هم في مكاني أو خاضوا تجربة صعبة في حياتهم.. اليوم أهدي تدوينتي لكل من يعيش الألم واعترف أني وصلت إلى الرضا الذي وصلت إليه (أنا أعلم أن أمامي الكثير من العمل ولكنني على الطريق الصحيح) بمساعدة الكثير ومحاولاتي الجادة لأصبح أفضل، اختيار السعادة قد يتطلب منا بعض الخطوات كي نخطو في الاتجاه المناسب كالبحث عن طبيب جيد أو معالج متميز أو حتى تناول أدوية يصفها الطبيب حتى نكون أفضل، اليوم نصيحتي لكل من يعاني أن يعمل بقوة على أن يكون سعيداً فالسعادة اختيار!

أخيراً لا أظن أن هناك شيئاً ممتنة أنا له كوجود أهلي من حولي فأنا وإن كنت أعلم أن أهلي أناس من خيرة الخلق فأنا اليوم أعلم أني محظوظة أيما حظ لأن الله اختارني لأنتمي إليهم فبالرغم من أني ممتنة لوجودهم في حياتي فأنا ممتنة أكثر لأني لولاهم لما كنت أنا كما أنا اليوم فالمرء لا يختلف عن أهله كثيراً! أخيراً أختي الآء وزوجها أحمد وابنائهم عبد الجبار وإبراهيم ويزيد أنا ممتنة إليكم ولو عشت الدهر كله أشكركم لما وفيتكم حقكم.

أما عن تدوينة اليوم، فقد كبرت في عائلة تتقن صنع الأكل بشكل ملحوظ، وهناك أطباق امتازت بها عائلة والدتي وأطباق امتازت بها عائلة والدي، وإن كنت سأختار صنفاً واحداً من الطعام أبدعت فيه النساء في عائلة والدي فسأقول بكل ثقة المعجنات، وأظن أنني من هنا أحببت صنع المعجنات وأنواع الخبز، فبالرغم من حبي لإعداد الطعام فإنني أعشق صنع ما يخبز منه على مايُطهى، وأجد فيه الكثير من المتعة، حبي لصنع الطعام ليس فقط لما أجد فيه من المتعة وأنا أصنعه بل في صنع البسمه على وجوه من أحب تماماً كجدتي فاطمه. الكتمر (وصفة اليوم) كان من الأطباق التي تصنعها جدتي على الدوام خصوصاً على الإفطار، واليوم ومع أن عائلتي قد أصبحت أصغر لكن ولأني أسكن بجوار أختي فأنا أتشارك معها أغلب أوقاتي، ولأني أحب أن أصحو مبكراً وأعشق صنع الفطور فأنا أدعو أبنائها دوماً لتناول الفطور عندي ومن أحب ماأصنع ومن أكثر مايحبون تناوله من صنع يدي الكتمر، عندما كنا صغاراً كنا نأكله مع الطحينة والدبس الحلو (أقصد هنا دبس العنب أو الخروب أو الكاكا أو التمر)، ومن الممكن أكله مع أي شيء فهو يقدم كالخبز تماماً ويجب تناوله مباشرة بعد صنعه.

ملاحظات هامة:
١- أحب دوماً أن أطور من أي طعام أقوم بصنعه وقد تكون النتيجة جيدة وقد لاتكون، هنا أضفت على الكتمر بعض أنواع البهارات أو الأعشاب بحسب ماكان متوفراً لدي وكانت النتيجة ممتازة، جرب أو جربي ذلك ولن تندمي (مع العلم أني مازلت أحبها بدون أي إضافات).
٢- ممكن اضافة الطحينة السائلة إلى الزبدة في الخطوة ٣.
٤- مع أن مكونات الكتمر غالباً ماتكون واحدة إلا أن هناك العديد من الطرق المختلفة للفها وتطبيقها قببل فردها، أنا هنا استخدمت الطريقة التي كبرت وأنا أرى جدتي تصنعها.
٥- جربت هذه الطريقة مراراً وتكراراً على مدى الشهر الماضي فقط لأتأكد من كمية المكونات حتى أدونها لكم بالمقادير الصحيحة، كمية الدقيق تختلف قليلاً حتى وأنا أصنعها من مرة لأخرى، وهذا يعتمد على نوع الدقيق ورطوبة الغرفة وغيرها من الأسباب لذلك فأنا أنصح بإضافة كوبين من الدقيق وكوب الماء ومن ثم إضافة الدقيق رويداً رويداً حتى تتماسك العجينة.
.٦- ممكن استخدام الزيت بدلاً من الزبدة أو حتى استخدام نص الكمية من الزبدة ومثلها من الزيت

الكتمر

:المقادير

١/٤ ٢ كوب دقيق أبيض (قد تزيد الكمية حسب الحاجة)
١ كوب ماء في درجة حرارة الغرفة
رشة ملح
ربع أصباع (حوالي ٥٥ جرام) زبده ذائبة
بهارات أو أعشاب حسب الرغبة (أنا استخدمت القرفة والبابريكا المدخنة وخلطة من الأعشاب الإيطالية)

الطريقة:

 ١- يعجن الدقيق مع الماء والملح حتى يصبح عجينة متماسكة وتترك لترتاح على الأقل لمدة نص ساعة وممكن تترك طوال الليل.
٢- تقسم العجينة بعد أن ترتاح إلى ١٢ قسم بحجم حبة الجوز تقريباً (انظر إلى الصورة أعلاه)، يكور كل قسم ويترك ليرتاح عشر دقائق.
٣- تفرد العجينة بإضافة الدقيق على سطح العمل وعلى الجينة نفسها حتى تصبح بسمك ٢ مل ومن ثم تدهن بالزبدة بحيث تغطي فقط العجينة ولا تزيد، ممكن هنا رش بعض البهارات إن اخترت استخدامها.
٤- تلف العجينة بشكل أسطواني ومن ثم تشد العجينة من الطرفين حتى تصبح أطول وبالتالي أرق مع الحرص على عدم انقطاعها ومن ثم تلف الأسطوانة على شكل حلزوني وتترك على جنب مع الحرص على تغطيتها (أنا أتركها في إناء محكم)، بعد الانتهاء من كل القطع نبدأ بفردها بواسطة النشابة مع رش القليل من الدقيق إن كانت العجينة تلتصق بسطح العمل حتى نحصل على عجينة سمها ٢ مل.
٥- يضع القرص الذي تم فتحه على طاوة على نار عالية ويتم قلبه مباشرة عند تحميره من أسفل، يرفع عن النار عندما يحمر من الوجه الآخر، ممكن تحمير الكتمر على نار متوسطة لكنه سيأخذ وقتاً أطول في الإستواء، أنا أفضل تحميره على نار عالية حتى يكون الخبز الذي خبزته في البداية لايزال دافئاً حينما أنتهي من آخر واحده.

9 comments

  1. حبيبتي لقد لامست كلماتك وجداني وقلبي واحسست من قرائتي لكلماتك انك موهوبه في الكتابة ولك اسلوب مميز اذا تختلط فيه كلماتك بمشاعرك الصادقة المفرحة والحزن
    التجربة القاسية والتجربة الجميلة
    انا اعرفك منذ صغرك ولكن لم أعرف الا اسماء الطفلة البريئة
    اما الان فمن خلال كلماتك عرفت اسماء القوية الصابرة
    التي قامت من محنتها ونفضت غبار اليأس عن قلبها فأصبحت امرأة ذات شخصية مستقلة معتمدة على نفسها
    محبة لنفسها ولغيرها لا تخجل من اظهار مشاعرها وما مرت به من الم ومعاناة ( ومن منا لم تمر في مرحلة من حياتها ببعض المحن و المشاكل والصعوبات ) وكلامك هذا يظهر للاخريات ان الحياة لم تنته ويمكن الاستمرار فيها وان السعادة لا تأتي للمرء بل لا بد للمرء ان يسعى إليها
    وانا احبك واحب اخواتك ( كحبي لبناتي) واحب والدتك كأخت لي لم تلدها أمي
    ادام الله عليك الصحة والعافية والسعادة وحفظ لك قرة عينك (دعاء وعمار) وربك لن يضيعك

    1. عزيزتي خاله عفاف.. كنت ومازلت لنا في مكان أمنا.. كنت ومازلت صديقة والدتي التي نتنافس أنا وأخواتي حينما نتحدث فيمن يحبك فينا أكثر ونتفق أخيراً على ألا نتفق على حجم حبك في قلوبنا، فالكل مقتنع أنه يحبك أكثر.. كنت ومازلت الخالة اللطيفة القريبة من قلوب الجميع.. الحمدلله لأني عشت الحزن لأنه لولا الحن لما شعرنا بقيمة الفرح والحمدلله أنني عشت تجربة لأنني وبدون تلك التجارب فلن أنضج وأصبح أنا اسماء التي أقدرها اليوم.. أدام الله عليكم كذلك نعمة الصحة والعافية وأقر عينك بأبناء وجعلهم قدوة لغيرهم..

  2. عودًا حميدًا أسماء الغالية ♥️ افتقدناك كثيرًا
    Thank you for being true and vulnerable
    جمال روحك وحُسنِك رأيناه مترجمًا في مدونتك دون ان نراك♥️ لامستني كلماتك كثيرًا
    أفهم كثيرًا شعورك، ونقدر جدًا مشاركتك لنا.
    اعتدنا أن نرى من حولنا يشاركون الجانب الجميل والمشرق من حياتهم حتى اننا أحيانًا نشعر بالوحدة في ضعفنا وألمنا.
    ارجو لكِ بداية حياة سعيدة وجميلة ومشرقة برفقة ابناءكِ. نتطلع ان تشاركينا المزيد من الحب مترجمًا في الوصفات اللذيذة ودردشتك اللطيفة في المدونات القادمة🙏🏽♥️

    كل الحب،
    اسماء

    1. عزيزتي وسميتي.. أسماء.. شكراً لأنك كنت ومازلت هنا بالقرب دوماً.. شكراً لرسائلك الصباحية التي كانت تأتيني في أوقات كنت في أمس الحاجة لها.. شكراً لأنك كنت ومازلت تشجعيني لأكون قريبة من هنا (المدونة).. شكراً لأنك ومع صغر سنك فإنك تبهرينني دائماً بكبر عقلك.. وأخيراً شكراً لأنك أسماء..

  3. أهلا وسهلا بك من جديد 💗
    عودتك بمثابة العيد لقلبي ،، سعيدة لكونك بخير
    الله يجعل القادم من حياتك أجمل .
    كلي حماس للتجربة واترقب المزيد التدوينات😍
    نحبك 🌸

  4. كنت أظن أن العمر يتسرب من بين يدي وأنه عمر ضائع حتى أتى ذلك اليوم الذي أدركت فيه أن أمامي من العمر – إن شاء الله ضعف مافات وأن الله يجزي المحسنين فهدأت نفسي .
    أحببت مدونتكِ جدا هذه زيارة أولى وسأكون هنا إن شاء الله بشكل دائم .
    تمنياتي لكِ بالتوفيق .

    1. عزيزتي سمية.. فعلاً هناك دوماً الأمل بالمستقبل وماتبقى من العمر.. انت جميلة قلباً وقالباً وأتشرف لكونك لزيارتك صفحتي…

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s