لاأجد متعة كالتي أجدها حين أخرج من بيت عمتي والواقع على أحد الشواراع الرئيسية في مدينة اسطانبول، لأشتري الخبز في الصباح، آخذ ابنتي دعاء وأمشي في الشارع باتجاه محطة القطار التي تبعد حوالي خمسة دقائق من منزلها لأجد في الطريق حوالي ثلاثة مخابز مما يجعل المهمة أصعب، فالمخابز الثلاثة تفوح منها رائحة خبز شهي، متعدد الأشكال والنكهات، كلها قد خرج للتو من الفرن أو مازال يخبز، أعاهد نفسي كل يوم أنني لن أشتري إلا ما يكفي حاجتنا لذلك اليوم كي اضطر للخروج في اليوم التالي لشراء المزيد من الخبز الطازج، إلا أن الأنواع كثيرة جداً، وكلها يبدو شهياً للغاية، أنظر إلى أنواع الخبز وأجدها كلها تنظر إلي وكأنها تقول خذيني معكي، هنا يصعب القرار وأضطر لترك بعضها على مضض، أخرج من المخبز وأجد أنني بعد تصفيات كبيرة قمت بها أدخل المنزل ومعي أكثر من مما نحتاج، فرحلة الخبز في اسطانبول لاتقتصر على المخابز ففي طريق العودة إلى المنزل تجد باعة “السميد” المتجولين، والسميد خبز على شكل قرص مغطى بالسمسم رائحته تملأ شوارع اسطانبول، يحبه الصغار قبل الكبار، فلانزهة هناك تكتمل بدون تناول السميد، تجر إبنتي يدي وتطلب مني شراءه، أشتريه لا لألبي رغبتها فقط بل لألبي نداء ذاك الطفل الصغير الذي يشتهي تناولها داخلي.
تجد الأتراك مرتبطين بالخبز والمعجنات حتى في منازلهم فلا تخلو موائدهم منه، وهذه ثقافة تربيت عليها في منزلنا ومنذ صغري، فوالدتي كانت دائماً ماتتحفنا بشتى أنواع المعجنات، بيد أن المعجنات التي تخبز في فرن والدتي من كل حدب وصوب، فتجد دائماً البيتزا والفوكاشيا والعيش أبو اللحم وسفائح اللحم المفروم والعجين المضفرة المحشوة، تحشي أمي تلك الأخيرة بالجبن والأعشاب أو الزيتون، في مطبخي أحشي هذه الضفائر بحشوات متنوعة كالبطاطس أو السبانخ أو الجبن أو المفرومة أو حتى صلصة الطماطم مع الخضار وجبنة الموزريلا فتصبح كظروف البيتزا، وسأحاول تدوينها هنا قريباً.
قد تكون فكرة عمل العجين من الصفر متعبة ذهنياً قبل أن تكون متعبة جسدياً فالتخمير في حد ذاته ومن ثم الخبز يستغرق وقتاً طويلاً مما يجعل فكرة صنعه بعيدة المنال، بيد أنني وكوني تربيت في ثقافة فيها تأثير كبير من الثقافة التركية فلم يكن الخيار هذا مطروحاً أصلا، انا هنا على وشك كشف سر مقادير عجينة مختلفة بعض الشيء في صنعها ولعل أهم مايمزها هو اختصارها للوقت لا للنكهة والطعم، أخبرتني عنها إحدى جاراتي في أمريكا قبل حوالي عشر سنوات ومازلت استخدمها حتى الآن، قد تكون العجينة مرت على الكثير منكم لأنها أخذت شهرة واسعة على الانترنت ويؤسفني هنا أني لاأعرف إسم من بادر بتدوينها أول مرة ولا من ابتكرها لأنسب الفضل إليه أو إليها، عجينة العشر دقائق هي كمايفهم من اسمها قد تحضر وتكون جاهزة للاستخدام في عشر دقائق، إلا أنني أفضل تركها مدة تتراوح مابين ١٠ـ٢٠ دقيقة إضافية بعد عجنها (الشرح موجود بالأسفل).
في وصفتي هذه استخدمت صلصة البستو الإيطالية وهي عبارة عن ريحان مخلوط مع زيت الزيتون والصنوبر وجبنة البرميزان، سأحاول تدوينها قريباً، إلا أنه ممكن شراءها جاهزة في علب تباع في أغلب البقالات، مع التذكير بأن الطازجة المصنوعة في المنزل منها دائماً أطيب.
ملاحظات هامة:
١- من الضروري تخمير العجينة في درجة حرارة دافئة، أترك العجين وقت تخميره في الفرن بدون التشغيل عليه حتى يكون في درجة حرارة ثابته (أكرر بدون تشغيل الفرن)
٢- إذا ترك العجين فترة طويلة وتخمر بشكل زائد يصبح طعمه مراً ويفقد العجين مطاطيته.
٣- أفضل أن يكون العجين طريأً أكثر من المطلوب على أن يكون جافاً قليلاً لأنه من الإمكان دائماً إضافة الدقيق وجعله متماسكاً لكن من الصعب إضافة الماء وجعله طرياً بعد عجنه.
٤- نصيحة أكررها دائماً، تختلف كمية الدقيق حسب اختلاف نوع الدقيق مما يتطلب تعديل المقادير بشكل بسيط حسب مايراه الطاهي مناسباً.
One comment